قضاء الصلاة في أوقات النهي
بعض الناس قال لي : إنه لا يمكن أن نصلي القضاء بعد صلاة العصر مباشرة ، أرجو أن تساعدني بأن تذكر لي جواباً مفصلاً بخصوص هذه المقولة.
الحمد لله
أولاً : هناك بعض الأوقات نهى النبي صلى الله
عليه وسلم عن الصلاة فيها ، وهي :
1- من بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وترتفع
بمقدار رمح . أي : 15 دقيقة تقريباً . الشرح
الممتع (4/162) .
2- وقت استواء الشمس في وسط السماء ، وهو وقت
قصير قبل دخول وقت صلاة الظهر ، يقارب ربع ساعة أو ثلث ساعة . فتاوى الشيخ ابن باز
(11/286) . وذهب بعض العلماء إلى أنه أقصر من هذا ، قال ابن قاسم رحمه الله : إنه
وقت لطيف لا يتسع لصلاةٍ ، ولكن يمكن إيقاع تكبيرة الإحرام فيه اهـ حاشية ابن قاسم على الروض المربع (2/245).
3- بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس .
فهذه الأوقات وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى
الله عليه وسلم تنهى عن الصلاة فيها ، من هذه الأحاديث:
1- روى البخاري (586) ، ومسلم (728) عن أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا صَلَاةَ بَعْدَ صَلاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ
الشَّمْسُ ، وَلا صَلاةَ بَعْدَ صَلاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ) .
2- وروى مسلم (832) عَنْ عَمْرو بْنِ عَبَسَةَ
السُّلَمِيُّ رضي الله عنه قال : قُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، أَخْبِرْنِي
عَمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ وَأَجْهَلُهُ ، أَخْبِرْنِي عَنْ الصَّلاةِ . فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صَلِّ صَلاةَ الصُّبْحِ
ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ . . .
ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ
الظِّلُّ بِالرُّمْحِ – وهو وقت كون الشمس في وسط السماء- ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ
الصَّلاةِ فَإِنَّها حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ –
وهو أول وقت صلاة الظهر - فَصَلِّ فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ
حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ حَتَّى تَغْرُبَ
الشَّمْسُ . . . ) .
ثانياً : المراد بقضاء الصلاة هو فعل الصلاة بعد
خروج وقتها . والصلاة المقضية إما أن تكون فريضة وإما أن تكون نافلة .
أما الفريضة : فالواجب على المسلم أن يحافظ
على الصلاة في وقتها الذي حدده الله تعالى لها . قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ
كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء /103. أي : لها وقت محدد
.
وتأخير الصلاة حتى يخرج وقتها بدون عذر حرام ،
وهو من كبائر الذنوب .
فإن حصل للمسلم عذر كالنوم والنسيان ولم يتمكن
من فعل الصلاة في وقتها ، فإنه يجب عليه إذا زال العذر أن يقضي الصلاة ، ولو كان
ذلك في وقت من أوقات النهي . وهو قول جمهور العلماء . انظر : المغني (2/515) .
ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : (
مَنْ نَامَ عَنْ صَلاةً أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا) رواه البخاري (597) ومسلم (684) .
وأما النافلة : فاختلف العلماء في قضائها وقت النهي ، والصحيح
أنها تُقضى ، وهو مذهب الشافعي رحمه الله ، وانظر المجموع (4/170) . واختاره شيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في الفتاوى (23/127) . ودل على ذلك عدة أحاديث :
منها : ما رواه البخاري (1233) ومسلم (834) عَنْ
أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَسَأَلَتْهُ عَنْهُمَا فَقَالَ :
( إِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَشَغَلُونِي عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ
اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ ) .
ومنها: ما رواه ابن ماجه (1154) عَنْ قَيْسِ
بْنِ عَمْرٍو قَالَ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا
يُصَلِّي بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَصَلاةَ الصُّبْحِ مَرَّتَيْنِ ؟ فَقَالَ لَهُ
الرَّجُلُ : إِنِّي لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا
، فَصَلَّيْتُهُمَا . قَالَ : فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ . صححه الألباني في صحيح ابن ماجه (948) . قال ابن قدامة رحمه الله :
وسكوت النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز اهـ المغني (2/532) .
والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
الشيخ محمد صالح المنجد