لا شك أن السحر موجود، وبعضه تخييل، وأنه يقع ويؤثر بإذن الله عز وجل؛ كما قال الله سبحانه وتعالى في حق السحرة ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) البقرة من أية 102
فالسحر له تأثير، ولكنه بإذن الله الكوني القدري؛ إذ ما في الوجود من شئ إلا بقضاء الله وقدره سبحانه وتعالى، ولكن هذا السحر له علاج وله دواء، وقد وقع على النبي صلى الله عليه وسلم فخلصه الله منه وانجاه من شره ووجدوا ما فعله الساحر فأخذ واتلف فأبرأ الله نبيه من ذلك عليه الصلاة والسلام وهكذا إذا وجد ما فعله الساحر من تعقيد الخيوط أو ربط المسامير بعضها ببعض أو غير ذلك فأن ذلك يتلف لان السحرة من شأنهم أن ينفثوا في العقد ويضربوا عليها لمقاصدهم الخبيثة فقد يتم ما أرادوا بإذن الله وقد يبطل فربنا على كل شئ قدير سبحانه وتعالى.
وتاره يعالج السحر بالقراءة سواء كان ذلك بقراءة المسحور نفسه إذا كان عقله سليما وتارة بقراءة غيره عليه فينفث عليه في صدره أو في أي عضو من أعضائه ويقرا عليه الفاتحة وأية الكرسي و ( قل هو الله أحد ) والمعوذتين وآيات السحر المعروفة من سورة الأعراف وسورة يونس وسورة طه.
فمن سورة الأعراف قوله تعالى (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119)).
ومن سورة يونس قوله سبحانه (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (79) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82) ).
ومن سورة طه قوله سبحانه ( قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) )
ويقرأ أيضا سورة ( قل يا أيها الكافرون ) وسورة ( وقل هو الله احد ) و( قل أعوذ برب الفلق ) و( قل أعوذ برب الناس ) والأولى إن يكرر سورة ( قل هو الله احد ) والمعوذتين 3 مرات ثم يدعو له بالشفاء)) اللهم رب الناس اذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما )) ويكرر هذا ثلاثا وهكذا يرقيه بقوله: ((باسم الله أرقيك من كل شئ يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك باسم الله أرقيك)) ويكررها ثلاثا ويدعو له بالشفاء والعافية وان قال في رقيته (( أعيذك بكلمات الله التامات من شر ما خلق )) وكررها ثلاثا، فحسن.
كل هذا من الدواء المفيد وان قرأ هذه الرقية والدعاء في ماء ثم شرب منه المسحور واغتسل بباقية كان هذا من أسباب الشفاء والعافية بإذن الله وان جعل في الماء سبع ورقات من السدر الأخضر بعد دقها كان هذا أيضا من أسباب الشفاء وقد جرب هذا كثيرا ونفع الله به وقد فعلناه مع كثير من الناس فنفعهم الله بذلك فهذا دواء مفيد ونافع للمسحورين وهكذا ينفع هذا الدواء لمن حبس عن زوجته لان بعض الناس قد يحبس عن زوجته فلا يستطيع جماعها فإذا استعمل هذه الرقية وهذا الدعاء نفعه بإذن الله سواء قرأه على نفسه أو قراه عليه غيره أو قرأه في ماء ثم شرب منه واغتسل بالباقي. كل هذا نافع بإذن الله للمسحور والمحبوس عن زوجته وهذا من الأسباب والله سبحانه وتعالى هو الشافي وحده وهو على كل شئ قدير بيده جل وعلا الدواء والداء وكل شئ بقضائه وقدره سبحانه وتعالى وقد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم انه قال (( ما انزل الله داء إلا انزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله )) وهذا فضل منه سبحانه وتعالى. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
الشيخ ابن باز رحمه الله – مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (2/688).